کد مطلب:39893 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:340

فی ذکر شی ء من شجاعته (3)











فشكّ رجله بصفحة الفرس وهو ینادی [1] : عباد اللَّه الصبر الصبر، فقال له القعقاع بن عمرو[2] : یا أبا محمّد إنّك لجریح [3] ، وإنّك لفی شغل عمّا ترید ادخل البیوت، فدخل ودمه یسیل وهو یقول: اللّهمّ خذ لعثمان منّی حتّی ترضی [4] ، فلمّا امتلأ خفّه [5] دماً قال لغلامه: اركب من خلفی وامسكنی [6] وابغنی مكاناً أنزل فیه، فدخل به البصرة وأنزله فی دارٍ من خرابها قریباً من ظاهرها فمات (بها)من فوره [7] .

وقیل: إنّه اجتاز به، رجل من أصحاب علیّ علیه السلام فقال (له): أنت من أصحاب أمیر

المؤمنین؟ قال: نعم، قال: امدد یدك اُبایعك (له)، فبایعه خوفاً من أن یموت ولیس فی عنقه بیعة، ولمّا قضی دُفن فی بنی سعد بظاهر البصرة. قال: ولم أر شیخاً أضیع دماً[8] منّی، وتمثّل عنه دخوله البصرة بقوله شعراً[9] :


فإن تكن الحوادث أقصدتنی
وأخطاهنّ سهمی حین أرمی


فقد ضیّعت حین تبعت سمعاً
سفاهة ما سفهت بفضل [10] حلمی


أطعتهم بفرقة آل [11] لایٍ
فألقوا للسباع دمی ولحمی


وكان الّذی رمی طلحة مروان بن الحكم، وقیل: غیره، واللَّه أعلم.

ثمّ ما كان بأسرع من أن أفجأ الناس هزیمة طلحة والزبیر[12] وأطافت الخیل بالجمل فلمّا رأی المنهزمون إطافتهم بالجمل عادوا (علیهم)قلباً واحداً كما[13] كانوا أوّل مرّة[14] وتوافقوا، فوقفت مضر البصرة لمضر الكوفة، وربیعتها لربیعتها، وتیمها لتیمها فاقتتلوا أشدّ القتال وأعظمه وأكثر ممّا كان أوّل مرّة، واختلط القوم بعضهم فی بعض، فما رؤی قبلها ولا بعدها وقعة أعظم منها[15] ولا أكثر ذراعاً مقطوعاً ولا یداً مقطوعة،ولم یزل الأمر كذلك حتّی قُتل خلق كثیر ولا یحصون من الفریقین علی خطام الجمل.

قال: وأخذ الخطام سبعون رجلاً[16] من قریش ما نجا منهم واحد، بل كلّهم قُتلوا،

وكان ممّن أخذ بخطام الجمل محمّد بن طلحة[17] فجعل لا یحمل علیه أحد إلّا من

قال «حم لا ینصرون» وكان ذلك من شعار أصحاب علیّ علیه السلام، وكان علیّ علیه السلام قد أذن فی أصحابه بأن لا یقتل محمّد بن طلحة مَنْ عسی أن یظفر به ولا یتعرّضه أحد بسوء، فحمل علیه شریح بن أوفی العبسی فقال: «حم» وقد سبقه شریح بالطعنة فأتی علی نفسه فكان كما قیل: سبق السیف العذل، وكان محمّد بن طلحة هذا من العبّاد والزهّاد[18] واعتزل الناس علی جانب وإنّما خرج برّاً بأبیه، وكان یعرف بالسجّاد لكثرة صلاته وسجوده، وفی ذلك یقول قاتله شریح بن أوفی العبسی [19] :


وأشعث قوّام بآیات [20] ربّه
قلیل الأذی فیما تری العینُ مُسلم


هتكتُ [21] بصدر الرمح جیب قمیصه
فخرَّ صریعاً للیدین وللفم


علی غیر شی ء غیر أن لیس تابعاً
علیاً ومن لا یتبع الحقّ یندم


یُذكِّرنی حم والرمح شاجر
فهلّا تلا حم قبل التقدّم


وأخذ بخطام الجمل عمرو بن الأشرف [22] فجعل لایدنو منه أحد إلّا خبطه، فأقبل إلیه الحارث بن زهیر الأسدی [23] وهو یقول:


یا اُمّنا یا خیر اُمّ نعلمُ[24] .
أما ترین كم شجاع یكلّمُ [25] .









  1. ذكر الطبری: 3 / 523 أنه قال: إلیَّ عباد اللَّه الصبر الصبر.
  2. أعرضنا عن ترجمة القعقاع بن عمرو وبطولاته فی الحروب وصحبته للنبی صلی الله علیه وآله وما نسب إلیه من شعر وما قام به البطل بالسفارة للصلح بین علیّ من جهة وعائشة وطلحة والزبیر من جهة اُخری، بل نحیل القارئ الكریم إلی دراسة حیاته إلی الدراسة الّتی قام بها العلّامة السیّد مرتضی العسكری فی كتابه «خمسون ومائة صحابی مختلق» وخاصّة الجزء الأوّل منه ط 6 مطبعة صدر قم 1993م: 93 و95 و97 و100 و102 و106 و109 و111 و114 و140 و144 و156 و159 و162 و172 و182 و185 و191 و193 و197 و198 و208 و209 و212 و215 و216 و221 و223 و227 و235 و 243 و271 و273 و376 و417 و427 و432 و347.
  3. فی (أ): تجرع.
  4. فی (أ): یرضی.
  5. فی تاریخ الطبری: 3 / 519: موزجه، وهو بمعنی الخفّ.
  6. فی (أ): واسكنی.
  7. علی الرغم من أننا لا نؤمن بما قاله الطبری حول شخصیة القعقاع وأحلنا القارئ الكریم إلی كتاب العلّامة العسكری «خمسون ومائة صحابی مختلق» لكن التحقیق یتطلّب منّا البحث والتنقیب عمّا یقوله ابن الصبّاغ المالكی فی كتابه هذا والّذی نحن بصدد تحقیقه وجدنا أنّ هذا القول فی تاریخ الطبری: 3 / 523 هذا نصّه: یا أبا محمّد انّك لجریح وانك عمّا ترید لعلیل فأدخل الأبیات، فقال: یا غلام ادخلنی وابغنی مكاناً فاُدخل البصرة ومعه غلام ورجلان....
  8. الطبری: 3 / 534، ابن أعثم فی الفتوح: 485.
  9. تاریخ الطبری: 3 / 519.
  10. وفی (ب، د) ملأ.
  11. فی (أ): طه.
  12. انظر تاریخ الطبری: 3 / 519.
  13. فی (أ): بحیث.
  14. فی (ب، د): إلی أمر جدید.
  15. لیست فی (أ) عبارة: أعظم منها.
  16. انظر الطبری: 5 / 216، الاستیعاب: 221، اُسد الغابة: 4 / 242، الإصابة: 3 / 297، الاشتقاق: 500، وشرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 81 تحقیق محمّد أبو الفضل، وطبقات ابن سعد: 7 / 92 ط بیروت، الجمل للشیخ المفید: 156، الكامل للمبرّد: 3 / 242 ط مصر تحقیق إبراهیم الدلجمونی. هؤلاء كلهم یروون كیفیة أخذ خطام الجمل بدءً بكعب بن سور ثمّ عبدالرحمن بن عتّاب الّذی ارتجز والخطام بیده:


    أنا عتّاب وسیفی ولول
    والموت عند الجمل المجلّل


    فقُطعت یده وقُتِل. (انظر الطبری أیضاً: 5 / 210، واُسد الغابة: 3 / 308، ونسب قریش: 193).

    ثمّ قالوا: وأخذ خطام الجمل سبعون من قریش، قُتِلوا كلّهم، ولم یكن یأخذ بخطام الجمل أحد إلّا سالت نفسه، أو قُطعت یده... (انظر شرح النهج لابن أبی الحدید أیضاً: 1 / 265). وقال الطبری: قُتل سبعون علی خطام الجمل. (راجع تاریخه: 5 / 204).

  17. محمّد بن طلحة بن عبیداللَّه، اُمّه حمنة بنت جحش، كنیته أبو سلیمان، ولد فی عصر الرسول صلی الله علیه وآله، وقتل یوم الجمل مرّ علیه علیّ علیه السلام وقال: أبوه صرعه هذا المصرع ولولا أبوه وبرّه به ما خرج ذلك المخرج. (انظر ترجمته فی الطبقات: 5 / 37- 39).

    وممّا یجدر ذكره هنا أنّ محمّد بن طلحة هو الّذی أقبل علیه غلام من جهینة فقال له: أخبرنی عن قتلة عثمان، فقال: نعم، دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثلث علی صاحبة الهودج، وثلث علی صاحب الجمل الأحمر- یعنی طلحة- وثلث علی علیّ بن أبی طالب، فضحك الغلام وقال: لا أرانی علی ضلال ولحق بعلی وقال:


    سألت ابن طلحة عن هالك
    بجوف المدینة لم یقبر


    فقال: ثلاثة رهط هم
    أماتوا ابن عفّان واستعبر


    فثلث علی تلك فی خدرها
    وثلث علی راكب الأحمر


    وثلث علی ابن أبی طالب
    ونحن بدویه قرقر


    فقلت صدقت علی الأوّلین
    وأخطأت فی الثالث الأزهر


    أمّا ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة: 1 / 84 فقد ذكر القصة ولكنه لم یذكر الأبیات الشعریة بل أضاف قائلاً: وبلغ طلحة قول ابنه محمّد، وكان محمّد من عبّاد الناس، فقال له: یا محمّد، أتزعم عنا قولك إنی قاتل عثمان، كذلك تشهد علی أبیك؟ كن كعبد اللَّه بن الزبیر، فواللَّه ما أنت بخیر منه، ولا أبوك بدون أبیه، كفّ عن قولك، وإلّا فارجع فإنّ نصرتك نصرة رجل واحد، وفسادك فساد عامة الناس. فقال محمّد: ما قلت إلّا حقاً، ولن أعود.

    ومحمّد هذا هو الّذی أخبر عائشة عندما نبحتها كلاب الحوأب، فقالت لمحمّد بن طلحة: أیّ ماء هذا؟ قال: هذا ماء الحوأب، فقالت ما أرانی إلّا راجعة، قال: ولم؟ قالت: سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله یقول لنسائه: كأنی بإحداكنّ قد نبحها كلاب الحوأب، وإیاكِ أن تكونی أنت یا حمیراء... الحدیث. (أخرجه أحمد فی مسنده: 6 / 52 و97، ونقله ابن كثیر فی البدایة والنهایة: 7 / 211). فقال لها محمّد بن طلحة تقدّمی رحمك اللَّه ودعی هذا القول. (انظر ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة: 1 / 82 و89). ونقل ابن قتیبة أیضاً فی: 98 أنّ علیاً علیه السلام مرّ بالقتلی ، فنظر إلی محمّد بن طلحة وهو صریع فی القتلی، وكان یسمّی السجّاد، لما بین عینیه من أثر السجود، فقال: رحمك اللَّه یا محمّد، لقد كنت فی العبادة مجتهداً آناء اللیل قوّاماً، وفی الحرور صوّاماً، ثمّ التفت إلی من حوله فقال: هذا رجل قتله برّ أبیه. وانظر أیضاً البدایة والنهایة لابن كثیر: 7 / 244. وهو القائل لعائشة: مرینی بأمرك یا اُمّاه، فقالت: اُمرك أن تكون كخیر بنی آدم. فثبت فی مكانه یقول: حم لا ینصرون. فتقدّم إلیه نفر فحملوا علیه فقتلوه. (وانظر تاریخ الطبری: 5 / 214).

  18. انظر المصادر السابقة.
  19. قال الطبری فی تاریخه: 3 / 533: واجتمع علیه نفر كلّهم ادّعی قتله: المكعْبر الأسدی، والمكعْبر الضبی، ومعاویة بن شدّاد العبسی، وعفان بن الأشقر النصری، فأنفذه بعضهم بالرمح ففی ذلك یقول قائله منهم: وأشعث....
  20. وفی (أ): بآت.
  21. فی (أ): شككتُ.
  22. انظر تاریخ الطبری: 3 / 533، وابن الأثیر: 3 / 98 ولم یذكر نسب عمرو بن الأشرف بل ذكره ابن درید فی الاشتقاق: 483 والجمهرة: 350 وكان أزدیاً من عتیك. وجاء فی نسخة (ج) عمرو.
  23. انظر المصادر السابقة والحارث هذا أیضاً أزدیاً فی جیش علیّ علیه السلام، فهما اذن ولدا عمٍّ یقتل أحدهما الآخر.
  24. فی (ب، د): تعمل.
  25. فی (أ): مكلّم، وفی (د): تكلم.